Only for Admin

Archive Pages Design$type=blogging$count=7

5/random posts

23 مارس 2017

أحسنوا إلى أحفادكم وذرِّياتكم، فالبرُّ لا يبلى ...



كتبت فداء الشيخ 
أحسنوا إلى أحفادكم وذرِّياتكم، فالبرُّ لا يبلى ...
قصةٌ ليست من الخيال، بل بعضُ أشخاصِها موجودون !
ما سأكتبه سمعتُه أولَ عام 1428 بألمانيا، ذهبتُ يومَها لزيارة الأستاذ عبد الرحمن بن أحمد الهاشمي حفظه الله، حفيدِ العلامة المربي الشيخ محمد الهاشمي رحمه الله.


 كانت زيارةً أنيسةً ممتعة، عُدنا ليلتَها لمسارب التاريخ وماضي الزمان، كلُّ واحدٍ منا يتكلَّم عن الشيخ الفلاني، وعن الحارة الفلانية، وعن رجالات دمشقَ ووجهائِها، كلُّ ذلك مع فرقٍ في العمر والمكانة بيني وبينَ الأستاذ عبد الرحمن.
ثم جاء ذِكرُ حيِّ العقيبة بدمشق، هذا الحيُّ الذي خرج منه عددٌ جمٌّ مِن العلماء والقراء والفقهاء والوجهاء.
وإذا بالأستاذ عبد الرحمن تتوقَّد مشاعرُه، وتنهض ذاكرتُه ويقول لي: هناك رجلٌ بهذا الحي له دينٌ برقبتي، أتمنى أنْ أردَّ له أو لأُسرته جميلَه عليَّ، فقد أنقذني مِن ضربٍ فاجِع، وخلَّصني مِن رجلٍ يُجعجِع.
فأثار الفضولَ عندي، فطفقتُ أتمنى معرفةَ هذا الرجلِ صاحبِ هذا الجميل والمعروف !


 وإذا به يسرد لي هذه القصةَ فقال:
القصةُ تعود لأكثرَ مِن نصفِ قرن، وقتَها كنتُ شابًّا في بدايتي قوَّتي، وتوقُّدِ عزيمتي.
كنتُ يومَها في حي صاروجة الدمشقي ذاهبًا لحي العقيبة، فمررتُ مِن سوق الفواكه والخضار الذي يُسمى سوقَ الهال، وأنا أرى نفسي أوحدَ القبضاياتِ وبطلَ الرجال، والشبريةُ (وهي السكين) على خصري، ويا أرض اشتدي وما حدا أدِّي.


 فتريثتُ بسوق الهال أُسلِّم على فلانٍ وفلان ممن يعرفني، وهم يُذعنون لقوَّتي وبطولتي، فلانٌ يُعطيني تفاحة، وفلان يُناولني خيارة، وإذا برجلٍ عملاقٍ في الشكل وصخابٍ في الأسواق، لم أرَ منه إذعانًا لفتوَّتي، ولا ضيافةً من فاكهتِهِ، فاقتربتُ مِن بسطته وأخذت خيارةً وأنا أنظر إليه شذرَ مذر، فعدَّ ذلك تحدِّيًا له وانتقاصًا، فما رأيتُه إلا مخرجًا سكينًا وعلي منقضًّا، فانماثتْ بطولتي وقلتُ في نفسي: الهروب الآنَ سيدُ الموقف !


 هربتُ راكضًا مِن سوق الهال متَّجهًا إلى حي العقيبة، وهذا الصنديدُ العنيد يزأر ويُزمجر، ويتوعَّد ويُهدِّد، ونياطُ قلبي بات منقطعًا، ومن الشجاعة فارغًا.
خرجتِ الناسُ من المحلات والدكاكين، ينظرون لهذا العملاق حاملِ السكين، وهو يُقسم الأيمانَ المغلَّظةَ ليفعلنَّ بي كذا وكذا.
وأنا أركض متلبِّسًا بالكرب الشديد والهلع، فإذا برجلٍ طويلٍ يقف بوجهي ويعترض طريقي، فيُمسكني بقوَّة شديدة، أيقنتُ وقتَها أنَّ الهلاك صار حتفي، فاستسلمتُ للبلاء ونزولِ الشقاء رَغمَ أنفي.


 ثم صرخ هذا الرجلُ الكبيرُ في السن صرخةً بطوليةً زادتْ مِن خوفي، قال فيها: (لك مو عيب عليك، عم تلحق ولد لتقتلوا، وإنت ناتع هاد الطول والعرض)، ولكنْ سرعانَ ما ظهر أنَّ الصراخَ هذه المرةَ ليس لي، بل هو دفاعٌ عني !
والغريب أنَّ هذا العملاقَ الصنديدَ صار كالطفل الخجول مطرقًا رأسَه، خافضًا طرفَه.
ثم قال هذا الرجلُ الكبير بكلِّ هدوءٍ وسكينة: (يلَّا روح إنت على شغلك، وأنا بدبِّر هل الولد).
والعجيب أيضًا أنه ذهب مباشرةً، يا إلهي ماذا يجري ؟! هل أنا في حلمٍ ومنام ؟! أو أنَّ الأمرَ دُبِّر والناسُ نيام ؟!


 أمسك بيدي هذا الرجلُ وأنزلني عدَّةَ درجاتٍ، فإذا بي داخلَ أحدِ حمامات السوق بحيِّ العقيبة، فجلس دونَ كلامٍ معي، ثم قام وصنع لي كأسًا مِن شراب الورد، فشربتُه، ثم سألني عن سبب لحوق العملاق بي، وعن اسمي، فلما عرف أني حفيدُ الشيخ محمد الهاشمي عتب عليَّ كثيرًا، وقال لي: (يا عمو: الرجولة بالعلم والأخلاق، مو بالسكين والمشاكل)، فلم أتجرأ لهيبته أنْ أُجيبَه بكلمةٍ واحدة !
ثم مكثتُ قليلًا وخرجتُ من الحمام عائدًا إلى البيت، ولكنْ من جهة حيِّ العمارة، لا مِن طريق صاروجة خوفًا مِن ذلك العملاق، وانتهت القصة.


 ثم قال لي الأستاذ عبد الرحمن: مِن نصف قرنٍ وهذا الرجلُ يخطر في مخيِّلتي، ويقيني أنه توفي، ولكنْ أتمنى أنْ أصلَ لأُسرته وفاءً له، ولكي أردَّ لهم جميلَ ما فعله !
فقلت له: هل الحمامُ اسمُه (حمام العمري)، فقال عجلًا متعجِّبًا: نعم !
ثم قلت له: هل هذا الرجلُ طويلٌ أبيضُ أشقر، له عينان زرقاوان ؟ فقال: نعم نعم إنه هو !
ثم أتبعتُه قائلًا: هل كنيتُه أبو عزات ؟ فقال: والله إنه هو !
ففاجأتُه قائلًا: هو جدي والدُ والدي !


 فبكى وابتلَّ وجهُه بالدموع، وأقسم بالله إلا أنْ يُقبِّلَ يدي وفاءً لجدي !
البرُّ لا يبلى، وكما تدين تُدان ...
ثم قال:
وهذه صورة عمرها أكثرُ من قرنٍ لجدي المجاهد يوسف الحنبلي، رحمه الله تعالى.

ليست هناك تعليقات:

TOP-LEFT ADS

5/recent posts

INNER POST ADS

INNER POST ADS 2

إتصل بنا

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

rtl
item
الحوادث23: أحسنوا إلى أحفادكم وذرِّياتكم، فالبرُّ لا يبلى ...
أحسنوا إلى أحفادكم وذرِّياتكم، فالبرُّ لا يبلى ...
وهذه صورة عمرها أكثرُ من قرنٍ لجدي المجاهد يوسف الحنبلي، رحمه الله تعالى.
https://blogger.googleusercontent.com/img/b/R29vZ2xl/AVvXsEgW4iS0F_wpA7IC0aiajhhxPenHA0irlxmV8JJC7t4ayFaH0A5kN8JYGF_IhkBVAbShtw3uF3n0SKbJ0L6qFNn4MympNo9MTC9owZysZFyUjiRF4ncyVOJ9G3niY4zghrwKp2H1I3z1LISC/s320/%25D8%25B1%25D8%25AD%25D9%258A%25D9%2584.jpg
https://blogger.googleusercontent.com/img/b/R29vZ2xl/AVvXsEgW4iS0F_wpA7IC0aiajhhxPenHA0irlxmV8JJC7t4ayFaH0A5kN8JYGF_IhkBVAbShtw3uF3n0SKbJ0L6qFNn4MympNo9MTC9owZysZFyUjiRF4ncyVOJ9G3niY4zghrwKp2H1I3z1LISC/s72-c/%25D8%25B1%25D8%25AD%25D9%258A%25D9%2584.jpg
الحوادث23
https://duggaarab.blogspot.com/2017/03/news_291.html
https://duggaarab.blogspot.com/
http://duggaarab.blogspot.com/
http://duggaarab.blogspot.com/2017/03/news_291.html
true
8679766772763016007
UTF-8
Loaded All Posts Not found any posts VIEW ALL Readmore Reply Cancel reply Delete By Home PAGES POSTS View All RECOMMENDED FOR YOU LABEL ARCHIVE SEARCH ALL POSTS Not found any post match with your request Back Home Sunday Monday Tuesday Wednesday Thursday Friday Saturday Sun Mon Tue Wed Thu Fri Sat January February March April May June July August September October November December Jan Feb Mar Apr May Jun Jul Aug Sep Oct Nov Dec just now 1 minute ago $$1$$ minutes ago 1 hour ago $$1$$ hours ago Yesterday $$1$$ days ago $$1$$ weeks ago more than 5 weeks ago Followers Follow THIS PREMIUM CONTENT IS LOCKED STEP 1: Share to a social network STEP 2: Click the link on your social network Copy All Code Select All Code All codes were copied to your clipboard Can not copy the codes / texts, please press [CTRL]+[C] (or CMD+C with Mac) to copy Table of Content